عالم من دمشق.. عدنان وحود

دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008م


 

القيمة الأكبر للثقافة في الحياة البشرية هي قيمتها الكامنة في الإنسان الذي يصنعها وتصنعه، ويعيش بها وعليها، وتعيش من خلال حياته إنسانا، يأخذ من الحياة ويعطي، ويتعامل مع الأسرة البشرية حوله من منطلق كونه فردا منها، بقدرما يكون نافعا لها، مساهما في رقيها، متفاعلا مع مساراتها، بأحاسيسه ومشاعره، ووجدانه وعقله، وأخلاقه وقيمه، وعلمه ومعرفته، وهذا ما يجعل الإنسان هو المحور الذي يدور حوله كلّ حديث عن الثقافة، أو عن الوجه الثقافي لبلد من البلدان أو شعب من الشعوب. 

من أبرز المخترعين العرب في نصف قرن
عدنان وحود.. من "النول العربي" إلى قمّة الاختراعات الصناعية
كاتب وكتاب.. عالم من دمشق.. بقلم د. عدنان وحود

 

من أبرز المخترعين العرب في نصف قرن


عدنان وحود هو العالم السوري العربي المسلم الذي عرفه كاتب هذه السطور إنسانا أخا وصديقا، عندما كان في البداية الأولى الصعبة من مشواره الطويل في دراسته الجامعية وعندما بلغ بعطائه العلمي قمة سامقة، فبقي كما كان، إنسانا أخا وصديقا.
هذا ما جعل أمرا طبيعيا في هذه الحلقات تحت عنوان "دمشق عاصمة الثقافة العربية" أن يكون الحديث عنه حديثا عن نموذج من النماذج الفذة، التي تلفت الأنظار إليها، وسبق قبل سنوات أن سجّل كاتب هذه السطور تعريفا بالأخ الصديق والمخترع الكبير د. عدنان وحود في موقع إسلام أون لاين، يوم 21/8/2004م، كما سبق أن عرّف من خلال مداد القلم في إصدارة سابقة بكتابه "عالم من دمشق" الصادر باللغتين العربية والألمانية معا، وهذا وذاك معا هو ما تعيد الفقرات التالية نشره، وقد كان كلّ ما فيها معبّرا عن المقصود بها، وإن بقيت من قبيل جهد المقلّ، لا تفي الأخ عدنان حقه. والمعرفة به جعلت كاتب هذه السطور لا يُفاجَأ إطلاقا أن يطلع مؤخرا على ما نشرته مجلة "العربي" الكويتية المرموقة، ففي عددها الخاص الصادر في كانون أول/ ديسمبر 2007م، بمناسبة مرور خمسين عاما على نشأتها، أوردت فقرة تحت عنوان (أبرز علماء العرب في نصف قرن) فذكرت 13 عشر اسما مرموقا، كان د. عدنان وحود من بينها، وجاء في الفقرة الموجزة للحديث عنه:
(ولد الدكتور عدنان وحّود في دمشق بسورية فى مايو 1951م في أسرة فقيرة، اعتمدت على عمل أبيه في النسيج على "النول العربي"، تعينه في ذلك زوجه بتدوير المواسير اللازمة لعمله، لتأمين الاحتياجات المعيشية لأسرة ضمّت ثمانية أولاد، كان عدنان سادسهم عمرا. تخرج فى المدرسة الثانوية الصناعية عام 1970م حاملا شهادة "البكالوريا الصناعية في حرفة النسيج"، وانتقل إلى مدينة آخن غرب ألمانيا في منتصف عام 1971م، حيث انتسب إلى جامعة آخن التقنية وحاز بتفوّق شهادة الماجستير في عام 1980م في دراسة الهندسة الميكانيكية-تخصّص آلات النسيج، وحصل بعد عامين فقط على وسام صناعة آلات النسيج عام 1982م، وسُجل له في العام نفسه وهو في الحادية والثلاثين من عمره، أوّل اختراع على المستوى الأوربي، وهو صمّام تغذية الهواء في آلة النسيج. ونشر له خلال السنوات القليلة التالية 30 بحثا علميا في مختلف المجلات العلمية في أوربا، وألقى عددا كبيرا من المحاضرات في المؤتمرات العلمية في ألمانيا والنمسا وسويسرا. وفي مارس 1987م مع حصوله على شهادة الدكتوراه، بدأ العمل في شركة «دورنييه» في بلدة لينداو جنوب ألمانيا، وأصبح بعد عام واحد رئيسا لقسم الأبحاث والتطوير فيها، وساهم في بحوث علمية على أعلى المستويات التخصّصية، واتّسع نطاق مشاركته في المؤتمرات العلمية بالمحاضرات ليشمل القارات الخمس، واقترن ذلك بتسجيل أكثر من ستين اختراعا في اختصاصه، أحدث بعضها قفزات نوعية في تطوير صناعة النسيج على مستوى عالمي، وتقرّر منحه وسام المخترعين لعام 2003، ومنحته شركة دورنييه، التي تسلم إدارة قسم التطوير فيها 15 عاما، وسام الإبداع). 

عدنان وحود.. من "النول العربي" إلى قمّة الاختراعات الصناعية
على سفوح الألب - الجائزة والإنجاز - "خبايا الصنعة" منذ الطفولة - عدنان وحّود في سطور

د. عدنان وحّود عالم سوريّ الأصل، يعيش في ألمانيا منذ عام 1971م، طالبا يعمل لتأمين قوت يومه، ثمّ عالما مخترعا ورئيسا لقسم الأبحاث والتطوير في شركة "دورنييه" لصناعة آلات النسيج، وقد حصل مؤخّرا على وسام المخترعين لعام 2003م، تقديرا لواحد من بين أكثر من سبعين اختراعا سُجّلت باسمه.  

على سفوح الألب

يعيش عدنان وحّود مع أسرته في مدينة لينداو الحالمة على سفوح جبال الألب، عند ملتقى الحدود الألمانية-السويسرية- النمساوية، وتعرفه المدينة على أكثر من صعيد، فعلاقاته الاجتماعية وإسهاماته الثقافية فيها موضع التقدير لدى الجهات الرسمية والشعبية، مثل إنجازاته الاختصاصية الكبيرة، التي ساهمت إسهاما رئيسيا في تعزيز شهرة شركة "دورنييه".

وسام الإبداع لقسم البحوث والتطوير تحت إدارة د. عدنان وحود، في شركة دونيير الالمانية

وسام الإبداع لقسم البحوث والتطوير تحت إدارة د. عدنان وحود، في شركة دونيير الالمانية

وقد شهدت لينداو يوم 19/5/2004م احتفالا كبيرا لتكريم وحّود والشركة التي يرأس قسم الأبحاث والتطوير فيها، بوسام الإبداع لعام 2003م للشركة، ووسام المخترعين للعام نفسه لصاحب أكثر من سبعين براءة اختراع وتطوير تمّ تسجيلها أوروبيا وعالميا حتى الآن. وقد كان لهذه الاختراعات دور كبير في الارتفاع بمستوى المكانة العالمية للشركة، التي تصدّرت في هذه الأثناء موقعا متقدّما على صعيد صناعة آلات النسيج، فلا يكاد يخلو مصنع كبير للنسيج في العالم، ما بين الصين وأوروبا وأمريكا، من آلة حديثة من صنع "دورنييه" أو آلة دخلت عليها بصمات عدنان وحّود، في تطوير جديد لطريقة عملها. 

الجائزة والإنجاز

كان لأحد هذه الاختراعات مؤخرا أهمية بالغة، لفتت الأنظار إليه في معرض "إيتما-ITMA" الاختصاصي الكبير، أثناء دورته الأخيرة في تشرين أول/ أكتوبر عام 2003م في بريطانيا، وحمل الاختراع التطويري الجديد عنوان نظام "لينو السهل"، وتميّز -كما يقول اسمه- بتسهيل عملية الإنتاج إلى جانب ميزات عديدة أخرى، لتخفيض التكاليف ومضاعفة المردود، فأصبحت آلة النسيج بعد تطويرها وفق النظام الجديد، تعطي أضعاف إنتاجها السابق دفعة واحدة، مع اختصار استهلاك المواد الأولية، ورفع مستوى نوعية الخيوط النسيجية فيما يُسمّى "نسيج الشبيكة"، وله شبكة متينة ثابتة للغاية، تصلح للاستخدام في إنتاج الستائر، وأرضية تثبيت السجّاد وغيره من أنواع الكسوة، كما تستخدم في صناعة الأقمشة المكوّنة من الألياف الزجاجية لواجهات الأبنية، وغير ذلك من المجالات الصناعية للأنسجة.
وفي مقدّمة ما لفت أنظار "أهل المصلحة" إلى أهمية الاختراع الجديد، أنّ الآلات التي كانت تعمل في إنتاج هذا النسيج دون أن تصل إلى طاقتها القصوى بسبب صعوبة إنتاجه، أصبحت قادرة على استنفاذ تلك الطاقة بمعدّل مائة في المائة، دون صيانة إضافية للآلات. وتجتمع الخصائص المذكورة وسواها لتجعل خبراء هذا القطاع الصناعي يتحدّثون عن الاختراع الجديد كمدخل إلى قفزة نوعية "تفتح الآفاق أمام عصر جديد في صناعة النسيج" على حدّ تعبير أحدهم أثناء الاحتفال بمنح جائزة المخترعين للدكتور وحّود، وجائزة الإبداع للشركة، بحضور عدد من كبار المدعوّين من القطاعات الصناعية والسياسية والإعلامية. 

"خبايا الصنعة" منذ الطفولة

وكان ممّا كتبته صحيفة "لينداور تسايتونج" بقلم بينيديكتا روتشتاين، في اليوم التالي للاحتفال، قولها عن د. وحّود: (موهبة الابتكار والاختراع لديه تضمن الدخل المادي لأسـر عديدة في لينداو، ومن دونه لم يكن ليوجد عدد كبير من أماكن العمل، كما يقول رئيس الشركة بيتر دورنييه، الذي يذكر كلمات أبيه أنّ النجاح يتحقّق عبر التقدّم التقني، ويضيف أنّ "وحّود كان من وراء قدرتنا على صنع ما يسرّنا، وهو أن نفاجئ المنافسين والزبائن باستمرار بالجديد من المبتكرات والحلول وبراءات الاختراع")
وكان من المتحدّثين في الاحتفال أيضا بروفيسور فولفهورست، المدير العام السابق لمعهد تقنية النسيج في الجامعة التقنية بمدينة آخن، حيث درس وحّود، فكشف فولفهورست للحضورعن جانب من شخصية العالم السوري وحياته، لا يعتبر مألوفا في ألمانيا، فسيرته العلمية ومكان عمله المرموق لم يكن من قبيل ما يتناقله الأبناء عن الأحفاد في عالم الاقتصاد الصناعي، بل كان أحد أولاد أسرة فقيرة يشتغل معيلها في دمشق على آلة "النول العربي" اليدوية القديمة للنسيج، وكان على ابنه الصغير عدنان أن يعمل أيضا ليشارك في تأمين دخل الأسرة، وهناك كانت البداية، التي أوجدت لديه لاحقا، أي أثناء دراسته في آخن، رغبة جامحة في التعلّم باهتمام كبير، فكان ذلك أساس ما ارتقى له من بعد. ولم يكد الطالب الشابّ يختم دراسته حتى أعلنت شركة سويسرية رغبتها في الحصول على أوّل اختراع أنجزه، ثم توالى بعدها تسجيل براءات الاختراعات التي حقّقها حتى تجاوزت السبعين في هذه الأثناء.
وقال يوآخيم كوسلوفسكي، الناشر في مجموعة دور نشر اختصاصية، إنّ صناعة النسيج تسري في عروق د. وحّود مع دمائه، وقد عرف خبايا الصنعة وهو في سنّ الطفولة، واستطاع أن يربط بين خبرته العملية تلك، وبين الدراسة النظرية ربطا نموذجيا ارتقى به إلى مكانة الريادة، وأمثاله هم "من نحتاج إليهم" على حدّ تعبير كوسلوفسكي.
وأكّد وحّود نفسه في كلمته في الاحتفال أنّه ينقل ما تلقّاه من تكريم إلى العاملين معه في قسم الأبحاث والتطوير في شركة دورنييه، مشيرا إلى مساعدتهم الدائمة للتوصّل إلى ما تحقّق من إنجازات، وقال: "إنّ من الصعوبة بمكان الحفاظ على نظرة تستوعب مجرى عملية النسيج الشاملة لحركةِ ما يتراوح بين ستة وتسعة آلاف خيط نسيجي، فإذا بدأ جذبها طولا وعرضا، ثمّ بدأت تدور مع الآلة، يجد المرء نفسه وكأنّه في غابة كثيفة.. ولكنّ أحد العاملين معي قال لي ذات مرة: لا تخشَ من ذلك ولا تغفل أنّ معك في هذه الغابة عددا كبيرا من القرود يساعدونك!".. وسرت هذه العبارة مثلا وجعلت جريدة "لينداور تسايتونج" منها عنوانا لمقالها عن الاحتفال بالجائزة. 

عدنان وحّود في سطور

يعرف كاتب هذه السطور د. عدنان وحّود منذ كان طالبا في آخن، يدرس نهارا، ويعمل فجرا وفي المساء قبل الدوام الجامعي وبعده، ليؤمّن دخلا ماليا لمعيشته المتواضعة، عازبا، ثم متزوّجا من السيدة حياة، التي يذكر بفخر دعمها له طوال حياتهما معا، في تلك الفترة وهو طالب، وحتى الآن. وتعطي سيرة حياته شهادة نموذجية على جوانب عديدة، من أبرزها ما يمكن أن يحقّقه الإنسان العصامي من خلال جدّه ومثابرته، صاعدا على سلّم النجاح درجة بعد أخرى، وحريصا على الجمع ما بين صفات الإنسان المسلم المتواضع في سائر أحواله، وبين إنجاز العالم المبدع على أعلى المستويات.

عدنان وحود، 18 عاما، أمام النول العربي (1969م)

عدنان وحود، 18 عاما، أمام النول العربي (1969م)

وعندما حصل وحّود على جائزة تكريمه عالما مخترعا في أيار/ مايو عام 2004م، كان قد بلغ للتوّ الثالثة والخمسين من عمره، ففي مثل هذا الشهر من عام 1951 كان ميلاده في دمشق، وكان خلال سنوات طفولته الأولى يرقب بشغف كبير حركات والده وهو يعمل على "النول العربي"، حتى انطبعت في ذهنه بسائر جزئياتها، مع ما يرافقها من أصوات مميّزة، وفق توقيت دقيق، ثم كان عمله بنفسه ليلبّي رغبته الذاتية وهو تلميذ في المدرسة، حتّى حصل على "الشهادة الثانوية الصناعية" في دمشق.
ويؤكّد في كتيّب أصدره بالعربيّة والألمانيّة عام 2003م حول سيرة حياته، تحت عنوان "عالم من دمشق".. يؤكّد مدى شغفه بالانسجام الكبير ما بين حواس السمع والبصر وحركات اليدين والقدمين معا، لتكون الحصيلة قماشا منسوجا من خيوط كان يزيد تعدادها على الألفين، ومنذ ذلك الحين كان يتساءل مفكّرا عن "آلة النسيج" وكيفية عملها، بعد أن انتشرت آنذاك في بعض المصانع السورية، وقد أفاده الاطّلاع عليها آنذاك، وعلى ما بقي للإنسان من دور في تشغيلها، عندما انتقل للدراسة في ألمانيا عام 1971م بعد تعلّم اللغة الألمانية في النمسا، ففي مدينة آخن غرب ألمانيا كانت دراسة "صناعة الآلات" بمثابة أمنية تحقّقت له، ولم يزعجه اقترانها باضطراره للعمل، ومن ذلك "توزيع النشرات الدعائية والجرائد" في الصباح الباكر، إنّما بدأت أحواله المادية تتحسّن فور تخرّجه، فقد اقترن التخرّج ببحثه في ثلاثة مشاريع علمية، تلاها استدعاء رئيس القسم له لتسليمه مشروعا جديدا لتصميم طريقة مبتكرة للاستغناء عن استخدام "المكّوك" في آلة النسيج، بحيث يتمّ نقل الخيط إلى هدفه بواسطة "الشعاع الهوائي"، وعندما حصل على شهادة الماجستير عرض عليه رئيس القسم العمل في الجامعة، فاستجاب مستفيدا من العرض ليتابع أبحاثه بهدف الحصول على شهادة الدكتوراة لاحقا، وكان قد أنجز تنفيذ المشروع المطلوب، فاشترته شركة سويسرية وسُجّل اسمه لأول مرة كمخترع في أوروبا من مواليد سورية، تحت عنوان "وحدة نول لنفاثات نول ذي حدف شعاعي" ورقم
EP0079999، ثمّ وجد أوّل تقدير لإنجازه بحصوله على وسام صناعة آلات النسيج أثناء معرض عالمي في ميلانو عام 1983م.

عدنان وحود، محاضرا أمام جمهور علماء وصناعيين ومتخصصين

عدنان وحود، محاضرا أمام جمهور علماء وصناعيين ومتخصصين

لم يعد تسجيل اختراع جديد أمرا "غير عادي" في حياة د. عدنان وحّود، كذلك فقد أصبح مألوفا لديه، أن ينتقل مرّات عديدة أثناء العام، فيقطع ألوف الكيلومترات، ليلقي محاضرات اختصاصية على خبراء النسيج، ما بين الصين واليابان، وحتى البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، ونشرت له بحوث عديدة في المجلات الاختصاصية، كما وقع عليه الاختيار لكتابة النصوص العلمية التي تشرح الكلمات ذات العلاقة باختصاصه، في موسوعة "بروكهاوس" الألمانية الكبرى، وهو ما استغرق إنجازه ثلاثة أعوام.
وتزامن حصوله على درجة الدكتوراة عام 1987م مع تعيينه رئيسا لقسم الأبحاث والتطوير في شركة دورنييه الألمانية لصناعة آلات النسيج، وكان يرأسها بيتر دورنييه، صاحب أوّل اختراعات للطائرات العامودية. وفي الشركة شملت اختراعاته خلفيّة تقنية لمعاملة خيط النسيج، وتطوير طرق الإنتاج، وتصميم الآلات، وتحسين المواصفات الفيزيائية لقدرات نول النسيج، وإبداع طرق جديدة في الإنتاج.
ولعلّ ممّا يعبّر عن عدنان الإنسان، ما ورد في نص الإهداء الذي تصدّر سيرته الذاتية التي نشرها عام 2003م، حيث يقول صاحب كتاب "عالم من دمشق":
(إلى كلّ إنسان يقدّر عمل إنسان آخر، مهما صغر هذا العمل، كمثل أن يقوم الإنسان ببيع الخضراوات، ليكسب بذلك قوت أبنائه..
إلى كلّ إنسان يقدّر عمل إنسان آخر، مهما كبر هذا العمل، كمثل أن يقوم الإنسان بإدارة شؤون البلاد..
إلى كلّ إنسان يُدين أن يُسلب حقّ، كمثل أن يُسلب بائع الخضراوات خضراوته..
إلى كلّ إنسان يدين أن يُسلب حقّ، كمثل أن تُسلب أرض، أو يُهدم بيت..) 

 

كاتب وكتاب.. عالم من دمشق.. بقلم د. عدنان وحود
عدنان الإنسان.. طالبا وعالما - كتاب موجز.. وسيرة نموذجية - حوار مع الكاتب  

عدنان الإنسان.. طالبا وعالما

الكلمات (المذكورة آنفا) من نص "الإهداء" في مطلع كتاب "عالم من دمشق"، تعبّر عن روح كاتبها د. عدنان وحّود، وبعض الجوانب العميقة في شخصيته، كما عرفها محبّوه الأقربون.
وقد عرفت عدنان طالبا، يجدّ في دراسته، ويكدّ في عمله، ويكتفي مع أسرته الصغيرة بضرورات الحياة.. ويتميّز بدماثة خلقه وطيب معشره ورضاه بما هو عليه، ولولا روح التواضع الغالبة عليه، لظهر شعور الفخر أيضا ممتزجا مع الإحساس العميق بالرضى..
وعرفت عدنان وقد أصبح "الدكتور عدنان وحّود" مهندسا متخصصا في صناعة آلات النسيج في علم "الميكانيك"، ورئيسا لقسم الأبحاث والتطوير في واحدة من كبريات الشركات الصناعية، وباحثا علميا ومخترعا بإنجازات عالمية رفيعة، ومحاضرا على أعلى المستويات العلمية ما بين الأمريكتين واليابان.. عرفتُه وهو ..هو، كما كان طالبا، لا ينسى أحبّته ومحبّيه من عهد الدراسة، ولا يختلف لقاؤه بهم اليوم، عن لقائه بهم لديه في المنزل، أو حيث يزورهم، عمّا كان عليه اللقاء بالأمس البعيد..
كان وما يزال عدنان الأخ، وعدنان الإنسان، وعدنان العالم المتواضع، يألف ويؤلف، ولا ينقطع عن التواصل مع أحبابه، فيحار المرء كيف لا يضيق به الوقت عن إنجاز جديد، حتّى بلغ معدّل براءات الاختراعات المسجّلة باسمه عالميا، زهاء 45 في عشرين عاما (ثم زادت إلى أكثر من 70).. وكثير منها يستحقّ بمفرده التكريم والتقدير الكبيرين ولو لم يوجد سواه، فكيف وقد اجتمع الكمّ إلى النوعية!.. 

كتاب موجز.. وسيرة نموذجية

وكان لي شرف الاطّلاع على كتاب "عالم من دمشق" أثناء إعداده، وتردّدت -خشية تأخير صدوره- عن النصح لكاتبه بزيادة بعض محتوياته، لا سيّما وأنّ كثيرا من الإيجاز كان فيما أحسب نتيجة تواضع كاتبه وهو يكتب عن نفسه، ويجمع في الحديث بين الجوانب الإنسانية المعيشية اليومية ومسيرة الإنجاز العلمية، جمعا يكشف -دون تكلّف أو عناء- العلاقةَ الوثيقة بين هذا وذاك، ويجعل القارئ –لا سيّما إذا كان يعرف المؤلّف العالِم من قبل- يتمنّى لو يقرأ المزيد، فقد بقي المحتوى مكثّفا، يتناول محطّات فاصلة معدودة من الجانبين الإنساني والعلمي يمكن تأليف كتاب على حدة عن كل منها وعن بعض ما كان فيما بينها.. وأتمنّى عليه وأعلم أنّني لا أنفرد بهذا التمنّي، أن يجد الوقت لطبعة ثانية، يزيد فيها الحديث عن تلك العلاقة الوثيقة ما بين الجانب الإنساني والإنجاز العلمي، وهي -على أهمّيتها وأهمية تأثيرها- من نوادر ما سبق وكتبت عنه الأقلام، لا سيّما بذلك الأسلوب التلقائي، والمتميّز بصورة مزدوجة، إذ يدفع القارئ من العلماء إلى تلمّس لفتات إنسانية قد تمرّ به في حياته أو في الوسط الذي يعيش فيها ولا يستشعر عادةً مدى عمقها وتأثيرها على أرض الواقع، كما أنّه يعطي القارئ من العامّة رؤية موضوعية لإمكانية الصعود إلى القمّة، من خلال متابعة مراحل التطوّر التي واكبها الدكتور عدنان مذ كان طفلا ناشئا، إلى أن أصبح في مجال تخصّصه أحد كبار صنّاع التطوّر العلمي النظري والصناعي التطبيقي في العالم المعاصر.
ولئن صدرت طبعة ثانية فقد تُضاف إليها بعض الإسهامات بأقلام أخرى، فكثيرون، من العرب والألمان، من فئات متعدّدة، عبّروا على الفور مشافهة وكتابة عن بعض مشاعرهم وأفكارهم عند اطلاعهم على كتاب "عالم من دمشق"، منهم المحبّون والأصدقاء، ومنهم أفراد لهم مواقعهم في الوسط العلمي والصناعي، ففي الكتاب جوانب إضافية عن شخصية من عرفوا له مكانته العلمية من قبل، ومنهم أيضا بعض من عرف الكاتب من أهل بلدة "لينداو" على أكثر من صعيد اجتماعي وفكري وثقافي، وليس من خلال إنجازاته العلمية فقط.
ولعلّ الصور المرفقة، بما يشمل غلاف الكتاب وفهرسه وبعض ما نُشر من صور فيه، تعطي القارئ فكرة عن كتاب "عالم من دمشق"، وإن كانت لا تغني، كما لا تغني هذه السطور عن قراءة الكتاب نفسه، ولا تكفي وحدها للتعرّف على جوانب شخصية كاتبه.
"عالم من دمشق".. يمكن اعتباره نموذجا للإحساس بالمسؤولية وهو في حياة الغربة، ليقدّم بصورة عملية ما يجعل قائمة محبّيه وأصدقائه طويلة دون حاجة إلى تملّق، متنوّعة دون أن يشوبها تزلّف، من عهد نشأته طالبا عاملا، إلى عهد إنجازاته عالما باحثا، من أهل بلده الأوّل سورية، وممّن عرفهم من العرب والمسلمين خلال بضعة وثلاثين عاما مضت، وممّن عرفهم أيضا من الألمان، ما بين المعهد العالي للتقنية في آخن، وشركة "دورنييه" في لينداو.
و"عالم من دمشق" يمكن اعتباره نموذجا للإنسان الفرد، القادر أن يصعد صعودا طبيعيا، معتمدا على نفسه وجهده الذاتي، وعطائه المتواصل في مختلف مراحل الحياة وعبر تقلّب ظروفها، إنجازا بعد إنجاز، لا تحمله إلى المكانة المرموقة علاقات مصالح أو منافع وقتية ممّا شاع في عالمنا وعصرنا، وهو -من خلال هذه المسيرة- منارٌ لمن يريد أن يرى في واقع الحياة، كيف تصنع الحياة إنسانا فيكون هو ممّن يساهمون إسهاما كبيرا في صناعة الحياة الأفضل للإنسان. 

حوار مع الكاتب

سؤال: الأخ عدنان.. عرفناك طالبا، وعرفناك عالما، ولم تتبدّل صورتك لدينا، ولم تتبدّل علاقتنا بك، فقبل الحديث عن كتابك "عالم من دمشق" هل لك أن تحدّثنا عن نفسك.. أن تحدّثنا بكلمات بسيطة عن "عدنان وحّود" وسرّ نجاحه إنسانا وعالما؟..
جواب: أحبّ الخير لي ولكلّ الناس، وأؤمن بأنّ الناس كلّهم إخوة لي. وكما أنّ الله قد أعطى الأنبياء المعجزات، ومنها أن منح نبيّه داوود القدرة على تشكيل الحديد بيديه وأصابعه، أؤمن بأنّ الله قد منح كلّ إنسان قدرات خاصّة به، وعليه أن يكتشفها، ويسعى لتطويرها، ليؤدّي دوره المميّز في هذه الحياة.

سؤال: يكشف الكتاب عمّا عرفناه عنك إنسانا عصاميا، وأشرت في الكتاب إلى بعض "ما" و"من" كان لهم أثر في حياتك، ولكن لو أردت التركيز على نقطة معيّنة، ما الذي جعلك عصاميا من جهة، وأعطاك القدرة على الإنجاز العلمي من جهة أخرى؟..
جواب: أحبّ عملي مهما كان بشكل منقطع النظير، لأنّي أكسب من هذا الطريق معاشي، ولقد يسّر الله لي سبلا للعمل، وكانت هذه السبل -بنفس الوقت- منهلا للعلم والمعرفة والخبرة، وأرجو بذلك أن أتمكّن من أن أضع لبنات جديدة لعمل الأجيال من بعدي.

سؤال: اقتصرت في كتابك على ذكر عناوين براءات الاختراعات التي سُجّلت باسمك عالميا، هل يمكن أن تختار منها نموذجا أو أكثر وتحدّثنا بلغة مبسّطة عمّا كان يعنيه من الناحية العلمية والتطبيقية؟..
جواب: إنّ الحديث عن الاختراعات لعامّة الناس ليس بالأمر السهل، فلا بدّ أوّلا أن أضع القارئ بصورة الحاجة إلى فعّالية ما في آلة ما، ثانيا أن أعرض جميع الوسائل المعروفة لإجراء هذه الفعالية، ثالثا أن أشرح مختلف المساوئ التي نواجهها عند استخدام هذه الوسائل عند إجراء الفعالية المطلوبة، بعدها يلي طرح الحلّ الجديد الجديد -الاختراع- وشرح فعالية الاختراع من الناحية التكنولوجية والفيزيائية وطرح الفوائد التي سوف تُجنى عند استخدام هذه الوسيلة المبتكرة.

سؤال: عنوان كتابك "عالم من دمشق".. لمَ لم يكن "عالم من ألمانيا" مثلا وقد كانت إنجازاتك خلال وجودك فيها، ما الذي يستهدفه العنوان تجاه القارئ العربي.. أو الألماني وقد صدر باللغتين معا؟..
جواب: في بداية الأمر كان قصدي أن أضع تجربتي بين يدي القارئ العربي، واخترت لهذا العمل عنوانا: "طريق إلى الإبداع"، ومع إصرار أبنائي وأصدقائي على أن تكون هذه التجربة ميسّرة للقراءة أيضا للناطقين بالألمانية ابتدأت بالبحث عن عنوان جديد يجمع الإشارة إلى حضارتي الشرق والغرب.

سؤال: "عالم من دمشق".. إنجازات كبيرة وما زلت في خضمّ العمل، هل ننتظر مزيدا من الإنجازات العلمية في ميدان تخصّصك، أم لديك مخطّطات إضافية؟..
جواب: سيبقى عملي متواصلا وصلتي بالمؤسسات العلمية والصناعية حثيثة ليستمرّ إنجازي في المبتكرات الحديثة. ولقد كانت سعادتي كبيرة عندما كان ابتكاري الحديث "نول نسيج لإنتاج قماش الشبيكة" من ضمن معروضات المعرض العالمي لآلات النسيج "
ITMA 2003" المنعقد في مدينة بيرمينجهام في بريطانيا. فلإنتاج أقمشة الشبيكة تُستخدم حتّى الآن أنوال نسيج معقّدة بطيئة الإنتاج. باستخدام اختراعي ازدادت سرعة آلة النسيج من الضعف إلى الضعفين، وتبسّطت وسائلها، وأصبح عمرها مديدا. كان الأخصائيون يقفون أمام آلتي مذهولين: ما هذا السهل الممتنع؟.. لماذا لم تأتِ من قبل وتبسّط لنا الأمور، لماذا تركتنا والوسائل المعقّدة طيلة الخمسين عاما الماضية؟. وتتوّج ذلك عندما قَدِم "ملك النسيج" السيد روديجر ميليكين لمعاينة آلتي الحديثة، فقدّم لي بهذه المناسبة تهانيه القلبية على هذا الإنجاز الكبير.

- لك جزيل الشكر على هذه الكلمات ولك أصدق التمنيات بتحقيق ما تصبو إليه.

 

موقع مداد القلم