عدنان وحّود من النول العربي إلى تغيير صناعة النسيج في العالم
يُعد عدنان وحّود واحداً من أبرز العلماء العرب المعاصرين، وإن كانت شهرته تبقى أصغر من إنجازاته المتمثلة في تطوير صناعة النسيج على المستوى العالمي.
نبيل شبيب يرسم صورة هذا العالِم الذي اكتشف صناعة النسيج وفنه من خلال النول العربي الذي كان والده يعمل عليه في أحد أحياء دمشق القديمة، ليسجل حتى اليوم أكثر من سبعين اختراعاً غيَّرت معالم صناعة
النسيج في العالم.
قبل أشهر قليلة، احتفل «الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين» في مدينة آخن الألمانية بمرور أربعين عاماً على تأسيسه.
وقد ألقى العالِم العربي عدنان وحّود كلمة في الاحتفال باسم الاتحاد، تضمَّنت تعبيراً غير مباشر ولكنه واضح عن المكانة التي يحظى بها الرجل في ألمانيا وعلاقاته الطيبة جداً مع المؤسسات الألمانية من جهة
وأبناء الجاليات العربية والإسلامية من جهة أخرى، كما كشفت كلمته بما يشبه الهمس مدى تمسكه بجذوره العربية.
فمن جهة، استعرض وحّود في كلمته ما قدَّمه المعهد العالي للتقنية في آخن وبلدية المدينة للطلبة المسلمين فيها، مما مكنهم من إقامة مسجد في المدينة. ومن جهة أخرى استعرض باعتزاز إنجازات بعض الطلبة العرب
من المملكة العربية السعودية ومصر، الذين درسوا في ألمانيا، وعادوا لاحقاً إلى بلدانهم ليحتلوا مواقع قيادية في تنفيذ بعض المشاريع الضخمة. فكان حديثه والترحيب الكبير الذي حظي به في صفوف الحضور، صورة
مصغَّرة عن شخصيته المحبوبة لدى كل من عرفه، وبشكل خاص في مدينة «لينداو» الواقعة عند سفوح جبال الألب، التي كان من إنجازاته فيها، بالإضافة إلى عمله اليومي، إقامة مسجد، وإلقاء محاضرات عديدة عن
الإسلام والمسلمين في إطار تشجيع الحوار ما بين الأديان، تساعده زوجته، رفيقة دربه منذ بدايات دراسته الجامعية، وحتى اليوم.
النول العربي..
مدخل إلى عالم النسيج
ولد عدنان وحّود في شهر مايو 1951م بدمشق، وهو السادس بين ثمانية أطفال في أسرة فقيرة، تعتمد في معيشتها على كدّ الوالد في صناعة النسيج.
كان عدنان منذ طفولته يرافق والده إلى العمل. وهناك افتتن بالنول العربي وبالخيوط الملونة التي تتقاطع فيه، لتصبح قماشاً جميلاً ومزخرفاً بالرسوم. وكان لهذا الافتتان الأثر الأكبر في صياغة سيرة حياة
عدنان وحّود بكاملها. ففي الكتيب الذي أصدره في عام 2003م باللغتين العربية والألمانية بعنوان «عوالم من دمشق»، يذكر عدنان شغفه الكبير بمدى الانسجام ما بين حواس السمع والبصر وحركات اليدين والقدمين
معاً خلال العمل على النول، لتكون حصيلة هذه الحركات قماشاً منسوجاً من خيوط كان عددها يزيد على الألفين.
ومنذ ذلك الحين، كان عدنان الفتى الناشئ، يفكِّر بتساؤل عن آلة النسيج وطريقة عملها. وما أن تخرَّج من المدرسة الصناعية الثانوية عام 1970م، حتى قرر الانتقال إلى النمسا لمتابعة دراسته، ومن ثم إلى
مدينة آخن الألمانية، حيث حصل على شهادة الماجستير عام 1980م.
وبسبب ضيق ذات اليد، اضطر عدنان إلى العمل خلال دراسته لتأمين ضروريات الحياة اليومية. فعمل لبعض الوقت موزعاً لبعض المطبوعات على بيوت مدينة آخن قبل شروق الشمس. ومن ثم اشتغل ضارباً على الآلة الكاتبة
مقابل أجور بسيطة تكاد لا تكفيه لولا بساطة معيشته اليومية.
ولكن تزامن انتهاء دراسته الجامعية مع تسجيل أول اختراع له في صناعة آلات النسيج، جعل شركة «دورنير» في جنوب ألمانيا، تسارع إلى تلقفه وضمه إلى صفوف العاملين فيها. واقترن حصوله على شهادة الدكتوراة عام
1987م باستلامه رئاسة قسم الأبحاث والتطوير في الشركة نفسها، التي لا يزال يعمل فيها حتى اليوم، وصار ممثلها فيما يُعقد من مؤتمرات عالمية تتعلق بصناعة النسيج وتطورها.
سبعون اختراعاً باسمه
عندما أصدرت مجلة «العربي» الكويتية عدداً خاصاً في شهر ديسمبر بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، نشرت في العدد المذكور كشفاً بأبرز العلماء العرب في نصف قرن، تضمَّن ثلاثة عشر اسماً مرموقاً كان
اسم عدنان وحُّود من بينها.
فقد أصبح عدد الاختراعات التي سجِّلت باسم عدنان وحّود على المستويات الألمانية والأوروبية والعالمية، أكثر من سبعين اختراعاً، أحدث بعضها ثورة حقيقية في صناعة النسيج، وجعل بصماته تنتشر مع آلات الشركة
المصدرة إلى القارات الخمس.
فمن اختراعاته، على سبيل المثال، نذكر اختراعاً لفت أنظار أصحاب الاختصاص في معرض «إيتما» الذي أقيم في بريطانيا في العام 2003م. وقد حمل هذا الاختراع اسم نظام «لينو السهل». والاسم مستوحى من ميزات
الآلة الجديدة، والمتمثلة في تسهيل عملية الإنتاج وتخفيض التكاليف ومضاعفة المردود واختصار استهلاك المواد الأولية ورفع مستوى نوعية الخيوط النسيجية فيما يسمى بـ «نسيج الشبكية» الذي يصلح للاستخدام في
إنتاج أقمشة الستائر، وأرضية تثبيت السجاد، كما يستخدم في صناعة الأقمشة المكوَّنة من الألياف الزجاجية لواجهات الأبنية، وغير ذلك من المجالات. وكانت الآلات التي تعمل في إنتاج هذا النوع من النسيج لا
تصل إلى طاقتها القصوى بسبب صعوبة إنتاجه. فأصبحت قادرة على الاستفادة من تلك الطاقة بشكل كامل، من دون صيانة إضافية للآلات. فاعتبر خبراء هذا القطاع الصناعي الاختراع الجديد مدخلاً إلى قفزة نوعية
«تفتح الآفاق أمام عصر جديد في صناعة النسيج» على حد تعبير أحد هؤلاء الخبراء أثناء الاحتفال بمنح جائزة المخترعين للدكتور وحّود، وجائزة الإبداع للشركة بحضور عدد من كبار الشخصيات من القطاعات الصناعية
والسياسية والإعلامية.
وفي الشركة التي يعمل بها عدنان، والتي كان يرأسها بيتر دورنييه، صاحب الاختراعات الأولى في صناعة الطائرات العمودية، شملت اختراعات عدنان وحّود خلفية تقنية لمعاملة خيوط النسيج، وتطوير طرق الإنتاج،
وتصميم الآلات، وتحسين المواصفات الفيزيائية لقدرات نول النسيج، وإبداع طرق جديدة في الإنتاج.
الوطن في البال.. فعلاً
كان يمكن للمكانة العلمية والاجتماعية التي يحتلها عدنان وحّود اليوم، أن تملأ رأس صاحبها بالرضا والاكتفاء وربما الغرور. فالآلات المتطورة والمبتكرة في واحد من أرقى مصانع العالم، لم تقطع صلة عدنان
بالنول العربي الذي نشأ بجواره في دمشق القديمة.
فإضافة إلى ما يشهد عليه انغماسه في الاهتمام بأبناء الجاليات العربية والإسلامية في ألمانيا، وجهوده في تعريف الألمان على الإسلام وتشجيع الحوار الحضاري والثقافي ما بين الأديان، يؤكد الذين يعرفون
عدنان وجود رغبة جارفة في أعماقه بألا تبقى إنجازاته موضع تقدير في الغرب فقط، بعيداً عن خدمة بلاده، التي يريد لها أن تستفيد من ميدان اختصاصه.
ولم يتوقف عدنان أمام رغبته هذه، بل حرص على أن يقرنها بأفعال. فقد تردَّد في السنوات الأخيرة أكثر من مرة على مصر. حيث أسهم مباشرة في طرح أحدث التصورات التطبيقية للنهوض بصناعة النسيج المصري وتطويره.
ومنذ فترة، صار يتردَّد أكثر من مرة في السنة على موطنه الأصلي سورية. حيث يعمل على الغرض نفسه، تطوير صناعة النسيج في سورية. ويقول الذين يعرفونه ويعرفون جدوى إسهاماته في هذا المجال، إن حصيلة عمله
ستظهر للعيان خلال المستقبل المنظور.
وختاماً، نبقى مع الذين يعرفون عدنان وحّود عن قرب، والذين يجمعون على أن أبرز ما في شخصية هذا الرجل ليس في اختراعاته، بل هو في وجهه الإنساني ودماثة خلقة، ولطف معشره. ولعل خير ما يعبِّر عن هذا الوجه
بالنسبة إلى من لم يتعرف إلى عدنان وحّود شخصياً هو ما جاء في إهداء سيرته الذاتية «عوالم من دمشق»، حيث يقول: «إلى كلّ إنسان يقدّر عمل إنسان آخر، مهما صغر هذا العمل، كمثل أن يقوم الإنسان ببيع
الخضراوات، ليكسب بذلك قوت أبنائه.. إلى كلّ إنسان يقدّر عمل إنسان آخر، مهما كبر هذا العمل، كمثل أن يقوم الإنسان بإدارة شؤون البلاد.. إلى كلّ إنسان يُدين أن يُسلب حقّ، كمثل أن يُسلب بائع الخضراوات
خضراواته.. إلى كلّ إنسان يدين أن يُسلب حقّ، كمثل أن تُسلب أرض، أو يُهدم بيت..
عن القافلة مجلة أرامكو السعودية عدد نيسان 2009